مساحات الأمل .. احتفالية الفنِّ والتراثِ والفِكر السوري تلقى نجاحاتٍ باهرة في برلين بألمانيا

قالوا عن الفن أنه “وسيلة من وسائل تحقيق الألفة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان وكل الكائنات الحية” .. والفنُّ هو المؤرخ الأكثر صدقاً لحكايا البشرِ والشعوب وإرثهم، فالفنُّ تاريخ، والتاريخ ليس إلا فن. فالشعوبُ القديمة ما كانت لتحفظها ذاكرة الزمنِ لولا فنها الذي ما هو إلا دار خلودِها.. حيثُ فنيتْ وبقي هو. والفنُّ أيضاً صدى وأريجُ رغبتنا في الحبِ والفرحِ والغناءِ والرقصِ والأُنسْ، كُل ما فينا يبتغي الجمالَ ويحنُّ إليه .. والفنُّ كلُّ الجمال.

“مساحات الأمل” … احتفاليةٌ أقيمت في مدينة برلين بألمانيا لتكون محفلاً لتقديم ومناقشة الفنِّ السوري، وهي كما تم وصفُها كانت “احتفالاً بالروابطِ بين القلوبِ، والأفكار الجديدة، والأصوات الجميلة، والصور التي لا تُنسى”، والتي حققت نجاحاتٍ ارتد صداها إلى أبعد من ما كان متوقعاً.

وقد أتت هذه الإحتفالية مع مجيء تِشرين، حيثُ أقيمت في الأيام من 1 تشرين أول وحتى 3 تشرين أول في راديال سيستم ببرلين. وتضمنت من ضمنِ ما تضمنت حفلاتٍ موسيقية، ونقاشاتٍ فنية وثقافية، وقراءات أدبية، وعروض أفلام، وعروض رقص، وعروضٌ لفن الطهي السوري. وقد تم تنظيم هذه الإحتفالية التي كانت تحت رعاية وزارة الخارجية الألمانية من قِبلِ مؤسسة العمل للأمل، بالتعاونِ مع مؤسسة اتجاهات – ثقافة مستقلة، وبدعمٍ من مؤسسة دون، ومؤسسة فورد، ومعهد جوتة الألماني، والمجلس الثقافي البريطاني، ومؤسسة المجتمع المفتوح، ومؤسسة اليانز، ونادية وغياث سختيان، ومؤسسة أوندا.

وقد افتتح الإحتفالية وكيل وزارة الخارجية الألمانية، السيد شتيفان شتاينلاين، تلتها كلمة للفنان المسرحي السوري فارس الحلو، وكلمة لبسمة الحسيني، مديرة جمعية العمل للأمل. وقد تزامن ذلك مع افتتاح معرض فوتوغرافي للفنان المصري حمدي رضا بعنوان “لا بيوتَ في المخيم”، والذي استمر طيلة الثلاثة أيام، والذي عُني بتصوير العلاقة بين الحياة داخل المخيم والحياة خارجه، وقد جاء في وصفِ ذلك:

“المخيم، مثل أي حي سكني أو قرية، يزدحم بتفاصيل الحياة اليومية. الفرق هو أنه بالضرورة مكان مؤقت، حتى لو دام. كل ما يفعله سكان المخيم وما يحدث لهم هو مرهون بنهاية غير محددة الوقت. ساعة المخيم تدق كقنبلة موقوتة بزمان مستمر. ينطبق على المخيم القول: إعمل لمخيمك كأنك تعيش فيه أبداً، وإعمل لمخيمك كأنك تعود إلى وطنك غداً.”

أما عن ما قُدم في الثلاثة أيام الإحتفالية، فقد تضمن اليومُ الأول حفلاً موسيقياً للموسيقى المعاصرة الشرقية بقيادة الفنان باسل رجوب. أما اليوم الثاني، فقد افتُتح بروائح من المطبخ الشعبي السوري لعرضٍ حيٍ في فن الطبخ باسم “ما وراء الحمُص” للطاهيتين السوريتين ملكة جزماتي وريتا باريش. انتقل بعدها الجمهورُ للإستماع إلى سلسلة نقاشاتٍ فنية بين فنانين وكُتّاب سورييين وألمان ناقشوا فيها الإختلافات التي قد تُفرض بين الفنانين والكُتاب على اعتبار أن بعضهم لاجئين، وبعضهم الآخر مستضيفين للاجئين، ومهّدوا بذلك السبيل إلى التعريف ببعض الفنانين السوريين، الذين قدموا عروضاً للموسيقى والفنون البصرية والرقص، والتي مسّت قلوب وأرواح الجماهير الحاضرة وطرحت قضايا تحاكي الواقع السوري. وقد قُدمت هذه العروض من قبل كل من سلام الحسن، صلاح عمّو، محمد عمران، ويارا حاصباني. واختتم اليوم الثاني بسهرةٍ موسيقية قدمتها فرقة “جامشام”.

أما اليوم الثالث، فقد بدء بمناقشة حول شروط عمل الفنانين السوريين في المهجر، تلاها تقديمٌ لأعمال بعض الفنانين السوريين في المسرح والسينما والموسيقى والفنون البصرية والرقص، والتي قدمها كل من سلافة حجازي، وبيسان الشريف، ولواء يازجي، ومي سعيفان. وقد تضمن اليوم الثالث أيضاً مناقشة حول شروط حرية التعبير الفني في المهجر الأوروبي، والتي أظهرت أهمية الفن، وأهمية “اللجوء إلى الفن”، فتلتها عروضٌ لمواهب استثنائية من تقديم شعرٍ لياسمين مرعي، ومناقشة لضحى حسن، وحكي وموسيقى لبسام داود والفرقة، ورقص معاصر لفرقة أمل، وعروض لأفلام طلاب برنامج العمل للأمل. وقد اختتمت الإحتفالية بعرضٍ للموسيقى التراثية السورية لفرقة أصول قدمه اساتذة مدرسة العمل للأمل للموسيقى في لبنان.

استطاع أبناء سوريا في هذه الإحتفالية أن يحموا تراثهم، ويؤكدوا أن فنّهم لن يشي إلا بكلّ جميلٍ عنهم، وسيخلّدهم في صفحاتٍ مطولة من التاريخ. ولماذا برلين؟ ليس فقط لإنها أكبرُ ملجئٍ أوروبي للسوريين، بل لإنها أيضاً ملجأ للفنانين، وحاضنةٌ للفن.