هيف كهرمان وأعمالها الجريئة المستوحاة من ذكرياتها العراقية

 كيف يمكن للذكرى أن تكون المسيّر الأساسي للفنان، خاصّة إن كانت هذه الذكرى ليست إلا الذكريات المحصورة في السنوات العشر الأولى من حياته؟ .. وهي في العاشرة من عمرها، وتحديداً في عام 1992، لجأت هيف كهرمان مع عائلتها إلى السويد، هرباً من براثن الحربِ التي كانت بثِقَلها تخبطُ أرض العِراق. غريبةً في أرضٍ غريبة، كانت هيف، ذات الشعرِ الأسود، والعينانِ السوادوان الواسعتين، هي “الآخرُ” الذي يختلفُ بمظهره عن برودة وبياضِ هذه الأراضي الجديدة.

في غربةِ المظهرِ والهويةِ هذه، تقول هيف “حاولتُ أن أصبح سويدية، جعلتُ شعري أشقراً، أتقنت التحدثَ بلغتهم، وسمحتُ لنفسي بأن يتم استعماري.” ولكن مخرجها الحقيقي من أزمةِ الهوية هذه لم يكن أياً من ذلك، بل كان الرسم. ففي عمر الثانية عشر، إلتجأت هيف إلى الرسم لتبتعد عن واقعِ اللجوء والشتات الأكبر الذي يخلفه الإختلاف المُفتعَل والحدودُ الوهمية.

بعد ولوجِ شمس قرن الواحد والعشرين، قضت هيف بعضاً من وقتها بين السويد وإيطاليا لدراسة التصميم الغرافيكي وتصميم المواقع الشبكية، ثم إنتقلت للعيش والعملِ في الولايات المتحدة الأمريكية لتتحول في هذه اللحظة من لاجئةٍ إلى مهاجرة، آملة بأن تكون ظلال اللقبِ الجديد هذا مفاتيح تُبعدها عن مشاعر الإغتراب التي تعشّشُ في نفس كلِ ذي لاجئٍ وباحثٍ عن هُوية.

ولكن الحربُ لا تتخلى عن ضحاياها مهما مرّ الزمان، فلا تكتفي بإقتلاعهم من أرضهم، بل تبقيهم رهائن محتجزين في ماضيهم، وتجعل الذكرياتِ أشباحاً تلاحقهم أينما حلّوا.

استعانت هيف بالرسم لتستكشف به أشباح الذكرياتِ والنفس والهوية خاصتها، والتي خسرت جزءاً كبيراً منها في محاولاتها السابقة لتوطين نفسها في واقعٍ غريب. تُجيبُ حين تُسأل عن ماهية أعمالها “أقوم بمحاولة تسجيل وأرشفة تاريخٍ أشعر بأنني أنساه”، وتقول “في عمرُ الثالثة والثلاثين ومن خلال أعمالي، أبحث في داخلي عن الطفلة ذات التسع سنوات التي كان بإستطاعتها أن تتكلم وتكتب العربية بطلاقة”.

تتميزُ أعمالها بالحدّة وعدم الإستقرار والقسوة. عن إحدى أعمالها التي تظهرُ نساءاً يقمن بعنفٍ على فصل أطرافهن، تقول “هذه الأعمال هي طريقةٌ لتذكِّرَ بالحالة النفسية للاجئين، وبالشعور الذي يلازمهم من التجرّد والإنفصال عن وطنٍ إضطروا إلى تركه وراءهم. هذه هي الفكرة من وراء النساء المشتتات، اللواتي هن بنفس الوقتِ مجزءات، أو حتى مشوهات، لأنهن اضطررن إلى التخلي عن أجزاءٍ من أنفسهن.”

وأعمالها رمزية، تتبَع فيها العديد من الأساليب والمدارس الفنية، وهي بذلك تُلغي الحدود عن عالمها الفني، فأساليبها تتراوح بين الفن الياباني والعربي والإيطالي والفارسي واليوناني، وغيره. وتعالج فيه قضاياً تتعلق بالحربِ والشتات، وآثارهما، خاصة على النساء. ولا تنفكُ من طرح القضايا التي قد يعتبرها الوعي العام محرمة، أو قاسية، والتي قد تخلق لديه نفحة من الإنقسام أو العراكِ الداخلي، خاصةً بما قد يخص القيم العالمية.