بلاد الواق واق .. حقيقة أم خيال؟ وما القصصُ التي حاكها الموروثُ الأدبي العربي عنها

مع إدراكنا لحدودنا وقصورنا نحن كبشر، نلجأ لإيجادِ ثقوبٍ تدخل منها الخيالاتُ إلى أذهاننا، والتي تصورُ أماكن قد نؤمنُ بأنها لا مكانية، ولكن يريحنا تصديقُ وجودِها، ونحبُ ذلك، فنزاودُ في وصفها وذكرِها، حتى تصبح بعد مرور الوقتِ دلالة. كانت بلاد الواق واق هي إحدى خيالاتُ العربِ قديماً عن البلادِ البعيدة المنال، والتي مع الوقتِ قد أصبحت دلالة، فأورثونا في اللغةِ خيالهم، لنعبّر اليوم عن البلادِ البعيدة المنفية المستحيلة بمصطلحاتٍ كـ “رايح ع الواق واق .. وجاي من الواق واق”. يختلفُ اليوم قارئي النصوص العربية القديمة عن حقيقية هذه البلاد، وإن كانت كذلك فأيها اليوم، أهي اليابان أم مدغشقر أم سومطرة؟ لا أحد منّا يعرف .. ولكن سأحاول هُنا سرد بعض القصصِ والحكايا عنها والتي سمعتها جدرانُ البيوت القديمة عندما تناقلتها الألسنُ بخفوتٍ ودهشة، فرددت صداها الذي ما تعب من طرق أبواب الزمانِ، منها باب زماننا.

إن حدّ العرب في خيالهم عن الشرق والجنوبِ والحرِّ لم يكن إلا ببلادِ الواق واق .. إن من أول القصص التي حيكت عن هذه البلادِ تعود إلى ما يقارب القرن العاشر الميلادي، والتي يُحكى فيها عن جزيرةٍ فيها شجرةٌ ضخمةٌ غريبة، أوراقُها إما دائرية أو مستطيلة، وثمارُها تشبه ثمار القرع واليقطين، ولكنها أضخم وأكبر ولها هيئةُ البشر، عندما تضرُبُها الريحُ تصدر أصواتاً، وعندما تقطفُ من غُصنها تفقدُ يباستها وتلين وترخو.

في القرن الثاني عشر الميلادي .. أخذت الحكايا عن الجزيرة منحنياتٍ مختلفة، حيثُ يُحكى في هذه الحكايا أن الواق واق هي أكبر وأهم جزيرة تقعُ عند حدود بحر الصين، وبالتحديد عند النهاية الشرقية للعالم المأهول، وسُميت بالواق واق لأن فيها أشجاراً ضخمة تلدُ ثمارها في شهر آذار والذي يكون في البداية كثمر البلح. عندما يبدأ هذا الثمرُ بالتكون، يكون في اليوم الأول كقدمٍ واحدة من أقدام الفتيات الصغيرات، وفي اليوم الثاني تصير القدمُ قدمين، وفي اليوم الثالث تظهرُ الأفخاذ. ويستمر جسدُ الثمرة بالتشكل حتى يكتمل في اليوم الأخير من شهرِ نيسان، وفي الأول من شهرِ أيّار، يتكونُ الرأس فتكتملُ الثمرة. تعلّقُ هذه الثمار من شعورِها، ليكون شكلُها على هيئة نساء لا مثيل لهن في الجمال. في بدايات شهر حزيران، تبدأ هذه الثمارُ في التساقطِ، ومع حلول منتصفِ الشهر، لا يبقى أي ثمرةٍ على الشجرة. عند سقوطِ هذه الثمرة، تصدر صوتاً يصيح “واق واق”، وعند وصولها الأرض، تكون الثمرة أبهى وأجمل من أن تصفها الكلمات، ولكن بلا حياةٍ أو عظمٍ أو روح.

في القرن الثالث عشر الميلادي، بدأت الحكايا تُقصُّ عن قاطني هذه البلاد، فهي جزيرةٌ للنساء، تحكمها إمرأةٌ تجلسُ على عرشها عارية، يكللُ رأسها تاج، ويحيط بها أربعةُ آلاف جارية، جميعهن صغارٌ عذارى وعاريات. تسمعُ هؤلاء النسوة أصوات ثمارِ شجرة الواق واق حين سقوطها وهي تصيحُ “واق واق” ويفهمن مغزاها، فيتشائمن ويتطيرن بها!

كان يسمعُ أبناءُ العرب قصصاً عن غنى هذه البلاد، ففيها من الذهب الكثير، حتى أن أهلها يرتدون قمصاناً منسوجة من الذهب، كما يُلبسون حيواناتهم أطواقاً من الذهب.

ذكر الرحالة العربي إبن بطوطة بلاد الواق واق، حيثُ قال أن اسمها مأخوذٌ من اللغةِ الصينية، حيثُ كان يصف الصينيون البلاد التي تُعرف اليوم باليابان ببلاد “واكو واكو”، أما الإدريسي الذي قام برسم خارطة للعالم القديم، فقد قام بوضع موقع بلاد الواق واق عند جهة الجنوب الشرقي الإفريقي، عند إقليمٍ كان يسمى سفالا، عند جزيرة مدغشقر.

أما حكايات ألف ليلة وليلة، فقصّت “لا يمكنك الوصول إلى جزرِ الواق واق حتى لو ساعدتك مخلوقات الجن التي تجولُ النجوم الهائمة، لأن ما بينك وبينها سبعةُ أودية، وسبعة بِحار، وسبعة جبال شاسعة”.