دينا أمين .. مصممة مصرية استطاعت أن تخلق من الكراكيب التي تُرمى فناً له هدفٌ ورسالة

قد يبدأُ الأمرُ بفضولٍ يقودُهُ حبُّ المعرفة، ولكن مصيرهُ في النهاية أن يلقى غايةً ويحقّقَ وعياً ويرسخ حقيقةً وإدراكاً ما معيناً. بعد أن أنهت دينا أمين دِراستها للتصميم الصناعي في ماليزيا وعادت إلى مصر، حاولت التأقلم في الأعمال التي مارستها، ولكنها لم تشعر بأنها تقوم بما تود هي القيام به، وربما يرجعُ ذلك لسببين أساسين: الأول أن أعمالها تلك لم تكن ذا علاقة مباشرة بالتصميم الصناعي الذي درسته، والثاني أنها إن عملتْ في مجال درستها، أحست أن ما تقومُ بتصنيعه أو تصميمه لم يكن بذي فائدة حقيقية أو لزوم.

كانت من هواياتها التي نمتْ معها حبّها لتجميع فائض المنتجات التي يرميها الناسُ حولها، والإطلاع على طُرقِ تصنيعها، وإكتشاف الأسباب والدوافع من وراء تصنيع تلك المنتجات. فكانت تجلسُ مع نفسها أمام منتجٍ ما معين تفكّرُ: ما الهدفُ من وراءه؟ ولماذا صنِّع؟ ولماذا بهذا الشكل دون غيره؟ وربما كان حبُّها هذا هو ما دفعها في البداية لدراسة التصميم الصناعي، إلا أنها لم تفكّر أبداً حين أخذت قراراً بترك عملها في أنه سيكون مشروعها القادم.

في البداية أحبّت التوقف عن ممارسةِ عملٍ رسميٍ لإنها أرادت أن تحاول كشف وفهم نفسها أكثر، ومعرفة ما تُريد فعلاً ممارسته في حياتِها، وكيف تودُ حقاً قضاء أيامها. وشيئاً فشيئاً، بدأت تستعيدُ حبّها في تجميع ما يُسميه الناس “كراكيباً” لا حاجة لهم بها، منقذةً هذه الكراكيب من مصيرٍ محتوم كان سيودي بها إلى أقربِ مكبٍ للنفايات.

أخذت في تفكيك هذه الأشياء، وتحرير قِطعِها، ومعاينتها، لرُبما أدركت ماهيتها، وأدركت السبب الذي يدفعُ الناس لرميِها. ولم يأخذها الوقتُ الطويلُ لتعي غنى هذه الأشياء، فإن كنا نحنُ نرى الشيء كشيءٍ واحدٍ لا أكثر، أصبحت هي تراهُ مجموعة معقدة من القطع والأشياء، وإن كان المنتجُ يأتينا جاهزاً لا نعرفُ عن أصلهِ وماضيهِ شيئاً، أصبحت هي تستبصرُ الزمن والطاقة التي وُضعت لإنتاجهِ، منذ بدءِ تاريخهِ كفكرةٍ في ذهنِ مصممٍ، إلى تصميمٍ على ورق أو شاشة حاسوب، إلى قطعٍ تُصنعها آلات، وتجمعها وتُركبها أيدٍ عاملة، إلى منتجٍ معبئٍ في الأسواق، إلى أيدينا التي ما رأته إلا كـ “شيءٍ” لا تاريخ له ولا طاقة ولا روح، فرمته.

بعد وصولها إلى هذا الإدراك، بدأت دينا بتصويرِ المنتجات بعد تفكيكها، وتنزيل هذه الصور على حسابها على الإنستغرام. ومع الوقت، لاقت جمهوراً أمدّها بتشجيع وحبٍ لما تقوم به، وبمتابعةٍ مستمرة لمشروعها الذي خُلقَ بلا نيّة مسبقة. ولأنها كانت تقوم في العادة بإنزال هذه الصور في أيام الجُمع، قام أحد متابعيها بإطلاق اسم Tinker Friday على المشروع. بعد فترة، أصبحت تشعرُ أن لمنتجاتها هذه شخصيات، فأخذت تُركبها على بعضها وتُحركها كأنها فعلاً جسدٌ له روح، وأصبحت قبل أن تقوم بتفكيك أي منتجٍ تحاول التفكّر في شخصيةٍ معينةٍ تناسبُه، وتحاول إيجاد السبيل الأفضل لتحريكه. وبذلك انتقلت من التصوير العادي، إلى تصوير الستوب موشن (إيقاف الحركة)، الذي تعلّمتهُ بالكامل من الإنترنت أو من متابعتها لغيرها من المصممين والفنانين، وبذلك اكتشفت هواية جديدة لنفسها، أحبتها، وأحبّت ممارستها، وهي هواية تصوير الستوب موشن. وبدأت من خلالهِ تصنعٌ قصصاً لشخصيات منتجاتها تلك والتي كان بعضها من اقتراح متابعيها الذين كانوا أيضاً يُطلقون الأسماء عليها بطريقةٍ مبدعةٍ وفريدة كانت تزيدُ من حبِّ دينا لما تفعلُه. وقد لاقت هوايتُها الجديدة هذه تشجيعاً وإقبالاً وصلَ إلا أن تتلقى عروضاً لتصميم مقاطع من الستوب موشن لشركاتٍ ومواقع إلكترونية.

بعد نجاحها في إيصال الفكرة من مشروعها بطريقة مميزة وجميلة، وقدرتها على توعية الناس عن أهمية وغنى أبسط الأشياء التي نُفكرُ يومياً برميها، وأهمية التفكير مُسبقاً عن كيفية استهلاك هذه الأشياء قبل التفكير بشرائِها، تطمحُ دينا أمين اليوم أن تقوم بشراء كاميرا مهنية، وأن تُقيم استوديو صغير لها لتصورَ منه المقاطع خاصتها. ولرُبما استطاعت في مستقبلٍ قريبٍ أن تُخرج فيلماً كاملاً مصمماً على طريقة الستوب موشن، شخصياتُهُ منتجاتٍ كانت آيلة إلى أن تُرمى، يكونُ مُكملاً لمشروعها هذا، ومُتمماً له.

يُمكنكم متابعة دينا أمين على الإنستغرام من هنا، وعلى الفيسبوك من هنا.