الأهرامات السودانية .. إرثٌ تاريخيٌ سودانيٌ عريق لا يواجهُ اليوم إلا النسيان

إن أول ما قد يُراودُ أذهاننا عند مواجهتنا لكلمةِ “الأهرامات” هو الأهرامات المصريةُ الثلاثة، التي نعرفُ شكلها جيداً، ونعرفُ أسماءها، ومكانها الذي نحلمُ كثيراً بزيارته عند الضفة الشمالية لنهر النيل. ولكننا لم نفكر مسبقاً أن نوجّه أنظارنا إلى الجنوب قليلاً على مسرى ضفة النيل نفسه، لنُفاجَأَ ليس بمجموعةً هائلةً من الأهراماتِ وحسب، بل وحتى بأكبر تجمعٍ للأهرامات في العالم! نعم هذا صحيح .. إلى الجنوب من الأهرامات الفرعونية، تقعُ الأهرامات السودانية .. أو كما تُسمى بالأهرامات الكوشية، أو النوبية .. والتي لا تصدحُ صورتها في أذهاننا عند كلمةِ “الأهرامات”، والتي لم تملك الفرص الكافية –بدونِ أسبابٍ واضحة- ليذيع صيتُها بين الناس.

توالى حكمُ الكوشيون على الضفة النوبية للنيل، بما يُعرفُ اليوم بالسودان، من عام 2600 ق.م.، إلى عام 300 بعد الميلاد، ونتج حُكمهم عن ثلاثة ممالك: عاصمةُ المملكة الأولى كانت كرمة، وعاصمة المملكة الثانية كانت نبتة، وعاصمة المملكة الثالثة كانت مروي. وقد لاقت العاصمتين المتأخرتين، نبتة ومروي، نصيبهما من الأهرامات الكوشية، بعكس عاصمة المملكة الأولى الغنيةِ عوضاً عن الأهرامات بآثارٍ باهرة تمكّنت من الصمود حتى اليوم.

وخوفاً من الوقوع في الخطأ واللبس، فإن الأسباب الحقيقية والكاملة لبناء الأهرامات –بشكلٍ عام- مجهولة، إلا أنه يُعتقد بأن الأهرامات النوبية قد استخدمت كأماكن لدفن الملوك والملكات الكوشيين، وكمقاماتٍ لهم. لذلك، يعتقد أن أول أهرامٍ كان قد بُني كمقامٍ ومكان دفنٍ لأوائل مؤسسي المملكة الكوشية في نبتة، منهم الملك كاشتا وابنه الملك بعنخي (أو بيا)، وخلفائهم. وقد شُيدت أول الأهراماتِ هذه في منطقة تُسمى “الكرو” بالإضافة إلى أربعة عشر أهرامٍ آخر خُصص لملكاتِ المملكة الكوشية النبتية الأوائل. ثم انتقلت الأهرامات النبتية إلى منطقةٍ أخرى تُسمى “نوري” عند جبل بركل، والتي بحسب عدد الأهرامات فيها كانت مدفناً ومقاماً لواحدٍ وعشرين ملكاً، واثنين وخمسين ملكة وأمير.

أما مروي، مقرُّ وعاصمةُ آخر مملكة كوشية، فقد شهدت بُروز أشهر الأهرامات الكوشية، وأكثرها عدداً، والتي تقعُ اليوم عند قرية تُسمى البجراوية تبعدُ 200 كم شمال العاصمة السودانية الخرطوم. ويقدّر عدد الأهرامات المروية بـ 200 هرم، مقسمة ضمن ثلاثة مجموعات:

– الجنوبية: وهي أولى الأهرامات التي بُنيت في مروي والتي تحوي قبوراً لملوك وملكات المملكة الكوشية الذين تعاقبوا على الحكم في بداية المملكة الثالثة.

– الشمالية: تضمُّ أيضاً قبوراً ومقاماتٍ للملوك والملكات الكوشيين، ويُعتقد أن الإنتقال إلى هذا الموقعِ تم بسبب إمتلاء الجزء الجنوبي من المنطقة.

– الغربية: وتتميز بكونها أصغر حجماً نظراً لأنها شُيّدت لرجال البلاط الملكي، ووزراء مملكة مروي.

أما الأهرامات الكوشية بشكلٍ عام، فهي أصغرُ حجماً من نظيرتها المصرية، بحيث يتراوح إرتفاعها بين 6 أمتار و30 متر، وهي كشكلٍ أكثر استطالة من الأهرامات الفرعونية، بحيث تتميز أضلعها بكونها شديدة الإنحدار، منها ما يقارب الـ 70 درجة!

في عام 2011، تم تصنيف منطقة مروي من قبل اليونيسكو ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي. ولكن حتى اليوم، لم تزل المنطقة هي وباقي الآثار السودانية تعاني من تهميشِ وهُجرانٍ مدقع، ولم تلقى حتى اليوم، منذ إندثار الممالكِ الكوشية، الإهتمام والعناية اللائقين!