منى حاطوم .. فنانة فلسطينية وصلت بفنها إلى كل أرجاء العالم بأسره

أن تكونَ جاهزاً لأن تكون مُختلفاً، ومُبتكراً، وغريب؛ رُبما هذا ما قد يأخُذك بفنّك إلى أفُقٍ من آفاق العالم. ولكن أن تكون جاهزاً لذلك، وفي جُعبتكَ قضاياً وأفكاراً ومفاهيمَ تُريد إيصالها، والتعبير عنها، فهذا سيأخُذُك إلى عالمٍ بأسره نهمٍ لسماعك وفهمك رُغم السبل المختلفة للفن التي قد تلِدُها. منى حاطوم .. فنانةٌ فلسطينية وُلدت في لبنان لعائلة كانت قد لجأت من حيفا. عام 1975، كانت منى حاطوم قاصدةً لندن في زيارةٍ قصيرة، وذلك قبل أن تُفاجَأ لِبنان بحربٍ أهلية منعت مُنى من العودةِ إليها، لتبقى هُناك في الأراضي البريطانية، وتلتحق بكليتي بيام شو للفنون، وسليد للفنون الجميلة، وتبدأ رحلتها الفنية الفريدة.

بإمكان المُتتبعِ في مسيرتها الفنية أن يعمل على تقسيمها إلى محطّاتٍ ومراحل. في البداية، منذ طفولتها إلى ما قبل تخرُجها، أحبّت منى الرسم، وذلك قبل أن تقرر التحويل عنهُ في ثمانينيات القرن العشرين لممارسة الفن الإستعراضي، وإنتاج الفيديو والصور الفوتوغرافية. تقول مُنى في هذا الخصوص أنها حين كانت تعود إلى بيروت محمّلةً بنسخٍ من المقالات التي كانت تُنشر في بريطانيا عنها، لم يكن أحدٌ من أهلها يفهم حقيقة ما يدور، وما الفن الذي تمارسهُ: “في هذا الجزء من العالم إذا كنت فناناً، وخاصة إذا كنتِ امرأة فلا يمكن أن تكوني سوى رسَّامة”.

بعد أن بدأ الناس يُعرّفونها على أنها فنانةٌ استعراضية، رفضت منى التقيد بنوعٍ محددٍ لا شكل غيره من طرق الفن، فوجهت إهتمامها في تسعينيات القرن إلى فنِّ البناء الإنشائي والنحت، دون أن تتخلى عن أيٍ من الطرق الأخرى التي مارستها. ولأن منى تتبعُ أسلوب الفنّ المفاهيمي، أي أن فنّها تمثيلٌ حيٌ للأفكار والمفاهيم، فإن هذا يساعدُها على استخدام طرقٍ ومواد مختلفة في فنّها، وذلك لما تمليه عليها الأفكار. لذلك، فإن اختيارها للمواد التي تستخدمها في فنّها يتطلبُ حرصاً شديداً يلي بحوثاتٍ تُجريها لتعرف المناسبَ من هذه المواد، ولا تتفانى عن استخدامِ أيٍ من الموادِ – من أبرز موادها المعروفة باستخدامها إياه هو جسدها نفسه.

من الممكن أن تكون أعمالها –في وجهة نظر الكثيرين- قد تأثرت بتاريخها لكونها فردٌ من أفراد اللجوء الفلسطيني الذي نما بوعيٍ تلفُّه فكرة النفي والتغريب عن الوطن، وبتجربتها الشخصية التي تمثلت في رحلتها القصيرة الطويلة إلى لندن. إلا أن تأثيرها الحقيقي قد وجد صدىً لهُ في البلادِ الغربية لتكون فيها دوماً في الطليعة. فهي أولُ فنانةٍ متخصصة بالفنون البصرية تنالُ جائزة سوننج من جامعة كوبنهاجن التي تُمنح للأشخاص الذين ساهموا في تقدّم الحضارة الأوروبية. كما أن أعمالها عُرضت في كثيرٍ من متاحف العالم، وأقيمت معارضُ لها في كافة بقاع الأرض، كان من أبرزها اختيار أعمالها لتكون مادة المعرض الإفتتاحي لمتحف تيت البريطاني، وكان من آخرها المعرض الذي أقيم في متحف جورج بومبيدو الشهير في باريس ليعرض 100 عملٍ من أعمالها التي أنجزتها من عام 1977 حتى اليوم.

منى حاطوم وأعمالُها كانت وما تزالُ موضوع دراسةٍ لكثيرٍ من فناني ونُقاد ومفكري العالم، وكان أبرز من كتب عنها وعن أعمالها المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد. ومن أعمالها التي لاقت أحاديث مطولةٍ عنها وعن إبتكاريتها، كانت “مقاييس البُعد – 1988” التي طرحت فيها قضايا تخصُّ النفي، والهوية، والجنسانية، بأسلوبٍ سرديٍ في مقطع فيديو يعتمد على رسائل بعثتها لها أُمها المقيمةُ في المنفى اللبناني، إليها هي المقيمة في المنفى البريطاني، يفصلهما البُعدُ والحرب. وعملها الفني “جسد غريب” الذي ابتلعت فيه كاميرا صغيرة لتتحدث عن غُربة أجسادنا عنا وعلاقة ذلك بالغزو المطلق لحيواتنا في هذا العالم الحديث.