جدران عازلة أم أنها معارض فنية كبيرة؟

هي جدران ظالمة صلبة صامته أقيمت على قلوب الناس قبل أن تقام على تراب أوطانهم، قد صدحت وتكلمت وحاكت نبض الشارع وأحاسيس الناس وما يجول في خواطرهم بفضل شباب مبدع خلّاق يرفض الاستسلام لواقع مُرّ ويأبى إلاّ أن يوصل لمن أقاموا تلك الجدران فكرة واحدة وهي أنه ليس بإمكان جدران إسمنتية أو غيرها إضعاف عزيمتنا والحد من مواهبنا ورباطة جأشنا .

بنيت الجدران في عدة دول عربية وغربية لأسباب عديدة: منها الاحتلال وتقسيم أراضي الدولة المحتلة كما هو الحال في فلسطيننا الحبيبة، ومنها ما وضع لحماية الحدود بين الدول الشقيقة، أو ما وضع للحد من نزاعات الطائفية وغيرها من الأسباب؛ ما جعل منها على اختلاف أسباب بنائها مجرد لون رمادي بائس يقف حاجزا بين الإنسان وجمال الأرض العذراء التي لم تحتوِ يوما على حدود.. فما بالكم بحجدران تسد فسحة الشمس عن أعين الناس؟

كيف نقتل ذلك اللون الرمادي .. ونعيد شيئا من لمحات الحياة التي سرقت منا؟ هنا كان دور الرسم الغرافيتي على الجدران العازلة حيث خلق حالة فنية خاصة تتحدى كل السياسات والسياسيين وحدودهم وجدرانهم معا. حينها فقط يتحول الغرض من العزل إلى خلق معرض فني طويل الامتداد كأفعى مرقطة بألوان زاهية!

فتأتي الرسوم أحيانا مرتدية ألوان الطبيعة لتعيد للأرض جمالها المسلوب وتمنحها بعضا من جمال زهور الربيع التي قتلها هذا الجدار.

ورسوم أخرى رُسمت لتحيك نبض الشارع وما تضج به حياتهم من ألم وأمل، من حرية مسلوبة ومستقبل مجهول، وطفولة مسروقة؛ لتعيد للناظر لها الأمل وتمنحه شعورا بالقوة وتعزز لديه فكرة تصيح دوما: لا للمستحيل لا للاستسلام.

اختار هؤلاء الشباب توجيه هذه الرسالة بإستخدام لغة الفن لأنهم يؤمنون بأن لغة الفن هي اللغة الأمثل والأكثر حضارية، ليأكدوا بذلك أن الفن يستطيع مخاطبة العالم فسلاحهم غدا ريشه وقلم وبعض همسات بينهم وبين هذا الجدار.