أحمد جودة: قصة نجاح من مخيم اليرموك إلى الرقص أمام برج إيفل

من قلب المعاناة ومن وسط الأنقاض وعلى أصوات القذائف والبراميل المتفجرة صرخت موهبة لطالما أبت أن يغطيها غبار الحرب وتقمعها أيدٍ متسلطة متجبرة ورايات سوداء تنعق بالخراب في كل مكان، فكانت تلك الموهبة مكنون شخصية الشاب “أحمد جودة” الذي أعلن تحديه لكل هذا الظلم والخراب بإيصال رسالة الحب والسلام بفنه الراقص.

أحمد جودة هو لاجئ فلسطيني عايش قسوة الحرب ومرارة الغربة في “مخيم اليرموك” للاجئين، وقد منح الشاب الذي يبلغ من العمر 27 عاما  لقب بيلي ايليوت السوري. حمل جودة موهبة الرقص منذ الطفولة وتحدى بها كل الظروف التي كان من ضمنها ممانعة والده وأهله الشديدة لممارسة أحمد لهذا الفن، وملاحقته من قبل تنظيم الدولة ” داعش” وتهديدها له بكافة الوسائل الممكنة، والسبب أنه أراد أن يوصل فنه للناس بتعليمه الرقص للأطفال الصغار، حيث أخذ عهدا على نفسه أن يبقى متمسكا بهذا الفن ما بقيت الروح في الجسد، فقام بنقش عبارة على منحره ( وهو المكان الذي تجز فيه الأعناق ) تقول:” إما الرقص أو الموت” موصلا لكل ما يعارضه رسالة واحدة فحواها: أحمد لايخشاكم.

تلقى أحمد تدريبات الرقص لسنوات عديدة في أبرز مدارس الرقص في سوريا والمعهد العالي للفنون المسرحية؛ إذ صقل فيها موهبته ليصبح راقص باليه على مستوى عال وعالمي .

وبقي هذا الشاب الشجاع متمسكا بهوسه وشغفه برقص الباليه ليرقص على أسطح منازل قد تهاوت جدرانها في موقع تدمر، وعلى أنقاض أدراج مسرح مدينة تدمر الأثرية في وقت كانت ما تزال المدينة فيه تحت سيطرة تنظيم داعش تزامنا مع سلسة إعدامات بشعة نفذها التنظيم آنذاك.

 

وسطع نجم الشاب أحمد جودة في العالم أجمع؛ فقد تم في بادئ الأمر تسليط الضوء عليه عام 2014 من خلال برنامج “يلا نرقص” لمواهب الرقص في العالم العربي، قبل أن ينال شهرة كبيرة العام الماضي بفضل تقرير لصحافي هولندي تمت مشاهدته ملايين المرات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بعنوان أرقص أو مت، dance or die.

بضع دقائق من رقص الباليه على أنغام الموسيقى وأغنية تم تأليفها خصيصا لهذا العرض عند جادة تروكاديرو في العاصمة باريس قام بها أحمد جودة الذي أتى من سوريا حاملا رسالة سلام، حيث قال: “أعتقد أنه من أجل حماية أي بلد يجب أن نكافح بالفن أيضا؛ لأن أعداءنا هم أشخاص محدودو الأفق، أعداء للحب والسلام”.

 

لطالما رقص جودة لمواجهة صعوبات الحياة، وبعدما وصل لأمستردام واتخذها مكانا للإقامة والعمل، رصد مدراء المعهد الوطني للباليه فنّه فسطع نجمه مجددا بعد أن عمل جاهدا على تطوير قدراته وتنمية حسّ العمل الجماعي لديه. أصبح حلم أحمد الآن العودة لبلاده وأحضان أمّه التي كانت الشخص الوحيد الذي سانده وضحّى بسعادته للوقوف بجواره وتحقيق طموحه وإيصال فنه للعالم.