مسارح الدمى بين الإبداع المسرحي والطرح الثقافي الهادف

يسعى المهتمون من الناس بإيصال أفكارهم للغير بطريقة مبتكرة  لايجاد وسائل جديدة لمخاطبة العقول وتقديم النصائح المبطنة بغلاف زاهي الألوان، حتى كانت هذه المساعي سبب ولادة فكرة مسارح الدمى التي لطالما لاقت رواجا وقبولا كبيرا منذ البداية وحنى يومنا هذا من جمهورها من الأطفال وحتى ذويهم.

ومسرح الدّمى هو فن شعبي قديم جدا، يعود أصله إلى الثقافات الآسيوية القديمة، لكنه ازدهر في الوطن العربي في الفترة التي تلت سقوط الأندلس في نهاية القرن الثالث عشر؛ حيث كان تقريبا الوسيلة الوحيدة لترفيه الناس وتسليتهم وطرح قصص ذات قيمة ودلالات إنسانية أو حتى سياسية بأسلوب مرح لا يتعرض للانتقاد ولا المُسائلة، ومن أشهر فناني مسارح الدمى في العصر الحديث الفنان “محمود شكوكو”.

من المعروف أن مسرح العرائس له عدة مصطلحات ومفاهيم مترادفة أو شبه مترادفة، منها: مسرح الدمى، ومسرح الماريونيت، ومسرح الكراكيز، ومسرح الأراجوز، ومسرح قره قوز، ومسرح قرقوش…

فينما تعتبر الدمى والعرائس والماريونيت كائنات جامدة مصنوعة من أدوات ومواد مختلفة يحركها الممثل فوق الخشبة لأداء مجموعة من الأدوار التشخيصية الدرامية، يختلف القراقوز عن مسرح الدمى لأنه ينظر إلى الحياة بعين سوداء أو من خلال منظار أسود، لأن مسرح القراقوز يقوم على اشتكاء الحياة ومحنها ومفاجآتها وتقلب أحوالها ونقدها.

ولدمى المسارح ثلاثة أنواع رئيسة:

في الألف الثاني قبل الميلاد قام المصريون القدامى باستخدام الدمى المتحرّكة بالخيوط خلال احتفالاتهم للتعبير عن عاداتهم وطقوسهم، وفي ذلك الوقت كانت تلك الدمى تصنع من الخشب.

برز “مسرح دوار الشمس في بيروت” للصغار والكبار على حدّ سواء؛ حيث تتوافد أعداد كبيرة من المشاهدين لمشاهدة عروضه الأسبوعية. كما كان لمسرح ” خيال ” الذي أسسه كريم دكروب حصة من المشهد المسرحي بالدمى، حيث امتزات أعماله بشغف واضح، ومن أشهرها “بيتك يا ستي” (بيتك يا جدتي) وهو عرض يستمر مدة 50 دقيقة يحكي خلالها قصة فتاة تدعى سلمى وصديقيها أمين وسلوم، لتبدأ أحداث المسرحية بتسلق الأطفال الثلاثة الجدار ليكتشفوا أن وراء منزل الجدة أرضا فيها الكثير من الفواكه والخضروات الطازجة والهواء النقي والطعام الصحي، ويتواصل العرض ليوضح كيف سيتمكن الثلاثة من العودة إلى عالمهم الخاص وما إذا كانوا سينجحون في ذلك أم لا. نجح هذا العرض في جذب الجمهور ورسم البسمة على وجه كل من حضر باختلاف سنه .

ثلاثون دمية ارتدت الزي الفلسطيني التراثي، وأدت مسرحية “ظريف” التي حركتها أيادي مدير مسرح الدمى “السيرة” في الجليل راضي شحادة وزوجته منيرة في مهرجان في مدينة نابلس بتنظيم مؤسسة المسرح الشعبي. تجمع أحداث مسرحية ظريف بين الغنى والفقر إذ تروي قصة شاب يعزف اليرغول اسمه “ظريف”، وهو اسم مستوحى من أغنيه فلكلورية فلسطينية، وقد أحب فتاة غير أن والدها منع زواجهما كونه شاب فقير.

تأسس مسرح السيرة عام 1984 في القدس المحتلة، وشارك في مهرجانات عالمية ليحقق نجاحا واسعا سببه اعتماده على استغلال فن الفرجة والسماع وتوظيف كافة العناصر التي يقوم عليها الفن المسرحي من نص وشعر وغناء وموسيقى ورقص وأقنعة ودمى وأزياء وديكور ومؤثرات. يحرص شحادة وزوجته منيرة على ترسيخ الهوية الفلسطينية مع إدخال عنصر الحداثة في طريقة العرض، حتى في ملامح الدمى وزيهم.

 

استطاع هذا الفن رغم الصعاب أن يتطور في الجزائر من الناحية الفنية والتاريخية ليكوّن رسالة هادفة في المجتمع .كما استطاع أن يكوّن قاعدة فنية بالموازاة مع الفنون الأخرى، حتى بات جزءا من العرف الفني الجزائري، وهذا بعد أن أُسّس له مهرجان وطني في 2007 على مستوى فني عال، الذي تلته عدة مهرجانات ثقافية قمات بدورها في خلق أجواء مميزة لتطوير فن مسرح العرائس.

إن هذا النوع من الفنون هو أحد الوسائل الفنية الأجمل والألطف والتي توصل الفكرة المرجوة بسهولة لتترك أثرا في نفس المشاهد حيث يتقبلها بكل سلاسة.